ماذا قدم العرب والمسلمين على مدى تاريخهم فى علم الهندسة ج٣

نستكمل اليوم ما قد بداناه من رصد لاسهامات العرب فى علم الهندسة والميكانيكا منها خاصة وبعد أن وضحنا بعض من سير بعض من العلماء الذين اسهموا فى علم الهندسة نضيف اليوم الى ما قد بداناه وعالمنا اليوم هو بديع الزمان ابو العز اسماعيل بن الرزاز الجزرى ونجد أن اسمه الحقيقى هو اسماعيل بن الرزاز أما بقية الاسماء هى القاب اطلقت عليه لما بلغ من شهرته وتاثيره فى زمانه والأزمنة التى تلتها.

ولد الجزرى فى جزيرة ابن عمر( نسبة الى رجل يسمى ابن عمر اهتم بتعميرها) ويطلق عليها ايضا الجزيرة ومنها اتخذ لقبه المعروف به وهو الجزرى .لم يعرف احد على وجه التحديد متى ولد أو مات عالمنا الجليل ولكن ما نعرفه عنه أنه عاش فى القرن السادس الهجرى- الثالث عشر الميلادى.
يتناول كثير من الناس تاريخ الجزرى بعد أن ذاع صيته واستقر به المقام فى ديار بكر (فى تركيا حاليا) ، ولكنى أعتقد أن الإطلاع على حياته من البداية فيها خير كثير حيث أنها تحتوى على نقاط جديرة بالذكر.

ظهر إهتمام الجزرى بعلم الحيل (الهندسة الميكانيكية حاليا) فى صباه وقد أحس منه جده هذا الإهتمام وبدأ بتشجيعه ولكن أبيه أعترض على ذلك حيث أن اباه كان يريده أن يصبح عالما فى علوم الدين حيث لم يكن علم الحيل مشهورا أنذاك ولم يسمع عنه أباه ولكن جده ساعده فى أقناع والده وحدثه عن علم الطبيعيات ومن بينها علم الحيل وبدأ الجد يحدث أسماعيل الصبى عما سمعه عن بنو شاكر وإبداعاتهم فى علم الحيل (سياتى ذكرهم فى موضوع لاحق). أراد أسماعيل أن يعرف أكثر عن علم الحيل فساعده جده فى البحث لدى باعة الكتب فى هذه الجزيرة وأرسل فى طلب ما لا يوجد منها من بغداد ( عاصمة الخلافة العباسية فى هذا الوقت) وطمأنه جده بأنه سوف يبذل كل مال للحصول على نسخ منها مادام عزمه ( يقصد عالمنا) قويا لدراسة علم الحيل على الرغم من أباه وجده كانا كلاهما فلاحا .

ألة لرفع الماء صنعها الجزرى

(تعليق: فى هذا الجزء ينبغى النظر كيف أن الجد التقط موهبة الفتى وهو صغير وعكف على تربيتها ومهد لها السبل والمال اللازم لكى ينبغ.(

مضت ست سنوات وأسماعيل يدرس وحده ما وصل إلى يديه من كتب علم الحيل وفصولا عن هذا العلم فى الكتب الموسوعسة اليونانية المترجمة للعربية ومنها كتاب “الثقل والخفة لاقليدس” وكتاب “ساعات الماء التى ترمى بالبنادق لارشميدس” وكتاب" المخروطات لابلونيس"

وغيرها من كتب الاغريق. وأتبع دراسته لهذه الكتب ما كتبه العرب فى هذا المجال فقرأ للبيرونى فى كتابه “الاّثار الباقية من القرون الخالية” وما كتبه الخوارزمى فى كتابه “مفاتيح العلوم” وما كتبه ثابت بن قرة والكوفى والفارابى وغيرهم.

(تعليق: لابد أن نرى هنا تاثير حركة الترجمة التى قام بها العرب فى بداية حضاراتهم وبدأها الامير الاموى خالد بن يزيد فى القرن الاول للهجرة وبلغت أوجها فى العصر الذهبى للعباسيين وشملت الكثير من العلوم فترجموا لابقراط وجالينوس واقليدس وارخميدس وغيرهم كثير ويأتى ذكر هذا التعقيب هنا لأنى أرى أن حركة الترجمة الحديثة فى أيامنا هذه بها تقصير كثير إذ أنها تقف فى كثير من الاحايين عند حدود الأدب والروايات وأمثالها وهذا شئ جميل ولكن ينبغى أن تتسع الدائرة وخاصة أننا فى عصر ذا تطور تكنولوجى وإعلامى سريع وليس كل الناس يتيسر لهم معرفة اللغات الاجنبية.)

وبالعودة إلى عالمنا الجليل الجزرى نجد أنه قد مضت به ست سنوات فى دراسته لعلم الحيل وبعد هذه السنوات سأله أباه إلى أين وصل فى تحصيله فقال له أسماعيل بثقة أنه وصل إلى ما لم يصل إليه أحد قبله وبدون معلم يعلمنه علم الحيل واّلاته فطلب منه أباه البدء بالعمل بما حصل من علم ولكن واجهته مشكلة التمويل والأدوات اللازمة لذلك فأشار إليه جده بالذهاب إلى والى الجزيرة أو امير حصن كيفا- الذى الجزيرة جزء منه- ولكن كانت المشكلة أنه كيف يذهب اسماعيل الى أحد هؤلاء الولاة بكلام مجرد كلام وكانت الفكرة أنه ينبغى أن يصنع بعض الاّته البسيطة بأرخص وأبسط الأدوات وبالفعل صنعها وكانت لا تعدو أن تكون لعبا من العاب الاطفال الميكانيكية المدهشة وحمل إسماعيل أدواته وذهب باّلاته العجيبة وشغلها امام الوالى وحاشيته فاعجب بها الوالى وعرف ما جاء من أجله وأتاح له المال وأتاح له استخدام دار الصنعة التابعة للقصر كما خصص له أحد أجنحة القصر ليعيش فيه .

(تعليق: أود أن انوه هنا الى ما صنعه لكى يقنع الوالى بأهمية علمه وإمكانياته وقد صنع بعض ما يشبه العاب الاطفال البسيطة ولكنها كانت تحمل من الفكر ما أقنع الوالى بقدرته وهو ما نطلق عليه اليوم عمل نموذ للفكرة.

ينبغى أيضا أن ننوه أهتمام العرب والمسلمين أنذاك بالعلم وما فعله الوالى من تيسير كل السبل والإمكانات لكى يتيسر لابن الرزاز أن يخرج علمه إلى النور وينفع الناس به كما أفرد له مسكنا لاقئا به كعالم.)

ساعة ميكانيكية صنعها الجزرى

ومر عامان على عالمنا الجليل فى هذه الجزيرة فى عمله وملأ فيهما قصر الوالى ببدائع من علم الحيل واّلاته من أوان تمتلئ وحدها بالشراب كلما فرغت وتتوقف تلقائيا كلما امتلئت وانتشرت ف جوانب القصر قناديل ( تستخدم للإنارة) وكانت عجيبة الاشكال والحجوم وترتفع فيها الفتائل وتعمل تلقائيا ساعة الغروب وينصب الزيت تلقائيا كلما فرغت والرياح الشديدة فى الشتاء لا تطفئ لها نورا.

وكان الاعيان والفقراء فى جزيرة بن عمر يستعينون باّلات بن الرزاز فى مزارعهم لتتوقف عن دفع الماء كلما ارتفع فيها الماء إلى مستوى معين واستخدموها فى بيوتهم ايضا.

وبهذا القدر أكتفى حتى الان وأعذرونى على الإطالة وأنى لم أعتمد أسلوب السرد التاريخى بل كانت قريبة من القصة كما أنها احتوت على تعليقات أعتقدت أنها هامة لربط الحاضر بالماضى لكى نعرف تاريخنا المشرف ونستفيد منه.ولنا باذن الله تكملة مع عالمنا الجليل وما صنعه من ألات ووضعه من كتب وإطراء الشرق والغرب له وكيف أثر فى البشرية.

إعجاب واحد (1)